يعتبر الحجر الطبيعي الذي يستخدم في البناء من أهم الموارد الطبيعية الموجودة في فلسطين حيث أن هذا الحجر يستخدم على نطاق واسع في تشيد المباني وبذلك يعتبر ثروة طبيعية حباها الله لهذه الأرض، ويعتبر هذا المورد من الركائز الاقتصادية التي يعتمد عليها سكان المناطق الجبلية في حياتهم هذه الأيام.
إن معالم الحضارات القديمة والتي لا تزال قائمة حتى أيامنا هذه في العديد من دول العالم لدليل على قدم استخدام الإنسان للحجر الطبيعي منذ زمن بعيد، فها هي البتراء في الأردن تدل كيف أن الإنسان الأول قام بشق الصخر لينشئ مدينة كاملة بأبنيتها وطرقها في الصخر وها هي الأهرامات التي أنشأها الفراعنة في مصر والتي لا تزال تعد من عجائب الدنيا أنشئت باستخدام قطع كبيرة لا يزال العلماء والمهندسون والبناءون يعجبون من طريقة رفعها وبنائها في زمن كان ينقصه الرافعات والمعدات الثقيلة التي نعرفها اليوم.
ثم جاء الرومان فأقاموا القلاع والحصون والكنائس باستخدام الحجارة التي لا تزال قائمة بعد آلاف السنين واستخدموا الزخارف والنقوش، أقاموا التماثيل من الحجارة، وبعد الرومان كانت الحضارة الإسلامية التي ترامت أطرافها شرقا وغربا فأنشأت طرازا معماريا هندسيا قائما على استخدام الحجر الطبيعي بأشكال هندسية فنية مميزة في المباني المختلفة.
وعلى الرغم من أن الحجر يستخدم في العديد من دول العالم إلا أن طريقة استخدامه في منطقتنا تعتبر طريقة فريدة متميزة تستمد وحيها من الطرق التي استخدمها الإنسان قديما في بناء الحجر و تتوافق مع الطرق الحديثة التي ابتكرها الإنسان في تشيد المباني وإنشاء المنشآت.
يعتبر الحجر من افضل وأجود مواد البناء التي عرفها الإنسان على مر العصور حيث أنه يتميز بخواص فيزيائية وميكانيكية خاصة بالإضافة إلى توفره للإنسان كمادة طبيعية في مواقع مختلفة في الأرض وبحيث يمكن استخراجه وتشكيله بيسر وسهولة.
انه وعلى الرغم من استخدام الحجر في البناء بشكل واسع وعلى مدى العصور فان الدراسات والأبحاث حول استخدام الحجر لا تزال قليلة وخاصة الدراسات المتعلقة بطريقة الإنشاء المستخدمة في منطقتنا والتي تعتبر طريقة فريدة متميزة كما أسلفنا.
و تعد صناعة الحجر والرخام في فلسطين واحدة من أكبر وأهم الصناعات وتشكل رافدا رئيسيا للاقتصاد الوطني النامي حيث تساهم بما يزيد عن 30% من حجم الدخل القومي من الصناعات الفلسطينية، وتساهم المحاجر والكسارات والمناشير معا بنسبة 5,5% من المنشات الصناعية وتشمل نحو 8% من العاملين فيها، كما تشكل 12,6% من الإنتاج الصناعي القائم حاليا.
صناعة الحجر والرخام في فلسطين:
تعتبر صناعة الحجر والرخام في فلسطين من اقدم واعرق الصناعات التقليدية حيث نمت وتطورت وازدهرت على مر السنين وتوارثها الأبناء عن الأباء والأجداد، وتتمتع صناعة الحجر و الرخام في فلسطين بأهمية خاصة حيث أن فلسطين بلاد مقدسة وصاحبة الرسالات السماوية الثلاث، وعليه فان الحجر المستخرج من الأرض المقدسة يعتبر ذا قيمة عالية على المستوى العالمي.
ومن أهم مميزات الحجر المستخرج من الأراضي المقدسة ألوانه المتعددة الفاتحة والجذابة، ابتداء باللون الأبيض ، والزهري، والأحمر الفاتح والغامق، والسكني الفاتح والغامق، والذهبي، والبيج، والبني الفاتح، والأزرق بالإضافة لألوان أخرى مرغوبة ومطلوبة في السوق العالمية.
تمثل صناعة الحجر والرخام في فلسطين واحدةً من أهم الصناعات، وتشكل رافدًا أساسيًا من روافد الاقتصاد الفلسطيني، وداعمًا أساسيًا من دعائم بناء الكيان الاقتصادي المستقل، حيث تبلغ حصته من الإنتاج الصناعي الفلسطيني أكثر من النصف. وقد تطور هذا القطاع في العقود الأخيرة تطورًا نوعيًا ملموسًا وعلى كافة الصعد، من حيث حجم الاستثمار والتكنولوجيا المستخدمة والعمالة، وكذلك القدرة التنافسية والتصدير إلى الخارج. ويتوفر الحجر الخام كمادة أولية أساسية وبكميات تجارية وبأحجام تتيح لمصانع الحجر والرخام إنتاج أنواع متعددة منه. وتتركز هذه الصناعة في محافظات جنوب الضفة الغربية وتحديدًا في محافظتي الخليل وبيت لحم، بصفتها أرضٍ مسطحةٍ للمحاجر، حيث يتم استخراج الصخور وإنتاج قطع حجارة كبيرة، ثم تقوم المصانع والمناشير بقصها وصقلها لصنع الحجارة والرخام، إضافةً لتلك الموجودة في الشمال، حيث يستخرج منها الرخام وأحجار البناء التي استخدمت عبر التاريخ لبناء بعضٍ من أشهر المعالم في الشرق الأوسط مثل المسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة المهد.
وبحسب الإحصاءات، يبلغ العدد الإجمالي للمنشآت التي لها علاقة بهذه الصناعة حوالي 1124 منشأة بين محجر ومنشار وورشة، موزعة في مناطق مختلفة من مدن الضفة على شكل تجمعات كبيرة وصغيرة، تتميز باستخدامها أحدث ماكينات قص وتشكيل الحجر المستخدمة عالميًا. واستنادًا لمصادر اتحاد صناعة الحجر والرخام في فلسطين، يُقدر الإنتاج الفلسطيني السنوي من الأحجار الجاهزة للاستخدام والرخام بـ19 مليون متر مربع، وحجم المبيعات السنوي يقدر بـ(600) مليون دولار -هذه المعطيات قبل اندلاع انتفاضة الأقصى نهاية عام 2000، غير أنها تراجعت بعد ذلك إلى اقل من النصف، كما تحتل فلسطين المركز الثاني عشر عالميًا في صناعة الحجر، وهذه مكانة متقدمة إذا ما قورنت مع حجم الأراضي الفلسطينية الصغيرة نسبيًا، كما يبلغ إجمالي إنتاج هذا القطاع ضعف إنتاج مثيله في ألمانيا، وحوالي 70% من إنتاج الولايات المتحدة الأمريكية.
المشاكل والعقبات السياسية:
تتعدد المشاكل والعقبات التي تواجه هذا القطاع الصناعي، فالوضع السياسي والظروف العامة التي تعيشها الأراضي الفلسطينية بسبب السياسات والإجراءات الإسرائيلية المعقدة ألقت بظلالها السلبية عليه أسوةً ببقية القطاعات الأخرى، مما حدَّ من نموه بشكلٍ واضح، حيث أغلقت العديد من المصانع أبوابها، كما أغلقت العديد من المحاجر والكسارات، فيما باتت تعمل العديد من المصانع بطاقة إنتاجية متدنية وهو ما تسبب في زيادة نسبة البطالة، وفي تدني مستوى الدخل".
وتتمثل أبرز المشكلات التي يواجهها قطاع صناعة الحجر والرخام بخضوع المعابر للسيطرة الإسرائيلية، وفرض إجراءات وضوابط معقدة على عمليات التصدير المباشرة، والإجراءات الإسرائيلية المعقدة خلال عمليات نقل البضائع إلى السوق الإسرائيلية، سواءً لبيعها داخل أراضي 1948 أو تصديرها للخارج، عبر الموانئ الإسرائيلية، حيث تم تحديد أماكن محدودة لعبور المنتجات وعدم منح التصاريح والتسهيلات اللازمة لمتابعة العملية التجارية، وتعطيل النقل أحيانًا بحجة الفحص الأمني، وإغلاق الطرق الحيوية من قبل جيش الاحتلال أمام نقل المواد الخام من المقالع إلى المصانع، كذلك نقل المواد المصنعة للأسواق والسيطرة الإسرائيلية على الأراضي في المنطقة المسماة "سي"، الأمر الذي يحول دون استغلال المحاجر الموجودة في هذه الأراضي، ونقص التمويل الذي تحتاجه المنشآت للتطور والمنافسة.
المشاكل والعقبات الإدارية والفنية:
كما تواجه صناعة الحجر بالمحافظة وفقًا لخبراء واقتصاديين ورجال أعمال، مشاكل أخرى متعددة تتمثل في عدم توفر المخططين الاستراتيجيين والخبراء، وأسلوب الإدارة الفردي، ومشاكل تسويقية ناتجة عن عدم توفر خبراء ومختصين بالتسويق، وعدم توفر معلومات كافية عن الأسواق العالمية، ومشاكل تقنية، وعدم توفر البنية التحتية المناسبة والداعمة للصناعة،
ومن المشاكل أيضًا ارتفاع تكاليف الإنتاج، وعدم وضوح الرؤية المستقبلية أمام هذه الصناعة، وتوقف المساعدات الفنية من قبل الدول المانحة لهذا القطاع، والتي كان من المتوقع أن تساهم في زيادة التنافسية للحجر الفلسطيني، كما لعب الكساد في السوق المحلية، دورًا بارزًا في تراجع المبيعات وتوفر السيولة.
مما سبق يتبين لنا أنه و بالرغم من تطور هذه الصناعة ولعبها دورا هاما في اجمالي الناتج القومي الفلسطيني ومساهمتها في خلق فرص عمل، الا انه ينقصها البعد والافق العلمي المبني نتائج الدراسات الجيولوجية وتوظيف الكفاءات المدربة والماهرة في هذا المجال. لذلك كانت فكرة تأسيس مركز متخصص لرفد هذه الصناعة بكوادر مؤهلة ومدربة بحيث تسهم في تطور صناعة الحجر والرخام وتساعد في استمرارية الثبات لهذا القطاع.